فصل: فصل: (حكم ما أهداه أهل الحرب لأمير الجيش أو غيره)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ ما يلزم الجيش من طاعة الإمام

يلزم الجيش طاعة أميرهم وامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني‏]‏ رواه النسائي ولا يجوز الخروج إلى الغزو إلا بإذنه لأنه أعلم بمصالح الحرب والطرقات ومكامن العدو وكثرتهم وقلتهم فيجب الرجوع إلى رأيه إلا أن يعرض ما يمنع من استئذانه من مفاجأة عدو يخاف الضرر بتأخير حربه أو فرصة يخاف فوتها بانتظار رأيه فيجوز من غير إذنه قال أحمد‏:‏ وإذا نادى الأمام‏:‏ الصلاة جامعة لأمر يحدث يشاور فيه لم يتخلف أحد إلا من عذر وإن غضب على رجل فقال‏:‏ اخرج عليك ألا تصحبني فلا يصحبه حتى يأذن له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الغزو مع البر والفاجر‏]‏

ويغزى مع كل بر وفاجر لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا‏]‏ رواه أبو داود ولأن تركه مع الفاجر يفضي إلى تعطيل الجهاد وظهور العدو‏.‏

وقال أحمد‏:‏ لا يعجبني أن يخرج مع القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين فإن كان القائد يعرف بشرب الخمر والغلول يغزى معه إذا كان له شفقة وحيطة على المسلمين إنما فجوره على نفسه ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا غزا الأمير بالناس‏]‏

وإذا غزا الأمير بالناس لم يجز لأحد أن يخرج من المعسكر لتعلف ولا احتطاب ولا غارة ولا غير ذلك إلا بإذنه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه‏}‏ ولأن الأمير أعرف بحال الناس ومكامن العدو وقربه وبعده ومواضع الأمن فلا يأذن لهم إلا مع أمنه عليهم وإن خرجوا من غير أمره لم يأمنوا كمينا للعدو أو مهلكة يهلكون بها وربما رحل الجيش فيضيع الخارج‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المبارزة في الحرب‏]‏

وتجوز المبارزة في الحرب وهو‏:‏ أن يخرج الرجل من المسلمين إلى الرجل من الكافرين بين الصفين ليقاتل كل واحد منهما صاحبه لأن حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم بارزوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم‏:‏ ‏{‏هذان خصمان اختصموا في ربهم‏}‏ الآيات ولا يجوز إلا بإذن الأمير لأن أمر القتال موكول إليه وهو أعلم برجاله فلا يؤمن مع مخالفته أن يتم ما ينكسر به الجيش ومتى خرج كافر يطلب البراز جاز رميه وقتله لأنه مشرك لا أمان له إلا أن تجري العادة بينهم بترك التعرض لمن يطلب البراز فلا يجوز التعرض له لأن ذلك يجري مجرى الشرط ويستحب لمن يعلم من نفسه الشدة والشجاعة مبارزته لأن في ترك مبارزته كسرا على المسلمين ويكره للضعيف الخروج إليه لأن القصد إظهار القوة والظاهر من مبارزة الضعيف خلاف ذلك فإن طلب الشجاع المبارزة ابتداء أبيح له لأن فيه إظهار القوة ولا يستحب لأنه لا حاجة إليه ولا يأمن الغلبة فيكسر قلوب المسلمين ومتى تبارزا بشرط أن لا يعين واحدا أصحابه لم يجز رمي الكافر وفاء بشرطه فإن ولى مثخنا أو محتازا أو ولى عنه المسلم جاز رميه لأنه شرط الأمان حال القتال وقد انقضى القتال فزال الأمان وإن استنجد الكافر أصحابه أو بدأوا بإعانته فلم يمنعهم انتقض أمانه لنقضه إياه وإن منعهم فلم يقبلوا منه فهو على أمانه لأنه لم ينقضه وإن شرط أن لا يرميه أحد حتى يرجع إلى صفه وفي له بشرطه فإن ولى عنه المسلم فتبعه ليقتله جاز رميه لأنه نقض الشرط فسقط أمانه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من أسر أسيرا‏]‏

ومن أسر أسيرا لم يكن له قتله حتى يأتي به الإمام فيرى فيه رأيه لأنه إذا صار أسيرا فالخيرة فيه إلى الإمام وعنه‏:‏ ما يدل على إباحة قتله لأنه في وقت الحرب فأشبه قتله حال القتال وإن امتنع الأسير أن ينقاد معه فله إكراهه بالضرب وغيره فإن لم يمكنه إكراهه أو خافه على نفسه أو خاف انقلابه فله قتله لأنه كافر لا أمان له يخاف شره فأبيح قتله كما قبل الأسر وإن كان امتناعه لمرض أبيح قتله كما يجوز أن يذفف على جريحهم وقد توقف أحمد عن قتله والأولى إباحته ومتى قتل أسيره أو أسير غيره قبل بلوغه إلى الإمام أو بعده قبل الحكم باسترقاقه لم يضمنه لأنه ليس بمال ولذلك أبيح للأمير إتلافه وإن قتل امرأة أو صبيا قبل الاستيلاء عليهم لم يضمنهم لأنهم لم يصيروا مالا للمسلمين وإن قتلهم بعد الاستيلاء عليهم ضمنهم لأنهم يصيرون رقيقا بنفس السبي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا وجد المسلمون بأرض الحرب طعاما أو علفا‏]‏

وإذا وجد المسلمون بأرض الحرب طعاما أو علفا فلهم الأكل منه وعلف دوابهم مع الحاجة وعدمها من غير إذن الإمام لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه قدر ما يكفيه ثم ينصرف وروي أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر رضي الله عنه‏:‏ إنا فتحنا أرضا كثيرة الطعام والعلف وكرهنا أن نقدم في شيء من ذلك فكتب إليه‏:‏ دع الناس يعلفون ويأكلون فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين رواهما سعيد ولأن الحاجة تدعو إليه ففي المنع ضرر بالجيش لأنه يشق عليهم حمل الزاد والعلف ولآخذه أن يعطيه لمن يحتاج إليه فيكون أحق به وليس له بيعه لأن الحاجة تدعو إلى الأكل دون البيع فإن باعه لبعض الغانمين صار الآخذ أحق به لأنه صار في يده وهو من الغانمين الذين لهم الأكل منه وله أخذ ما دفع من ثمنه لأنه دفعه إلى من لا يستحق فإن رد الطعام إلى البائع صار البائع أحق به لأنه صار إليه وإن باعه لغير الغانمين فالبيع باطل ويرد المبيع إلى الغنيمة لأنه لا يملك بيعه فإن تعذر رده رد ثمنه لخبر عمر ولأنه تعذر رد المبيع فوجب رد قيمته كالمغصوب وإن وجد دهنا مأكولا فله أكله لأنه من الطعام وقد روى عبد الله بن مغفل قال‏:‏ دلي جراب من شحم يوم خبير فأتينه فالتزمته وقلت‏:‏ هذا لي فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم لي فاستحييت منه متفق عليه‏.‏

وإن أراد أن يدهن به أو يدهن به دابته فقال أحمد‏:‏ إذا كان من ضرورة أو صداع فلا بأس وإن كان للزينة فلا يعجبني وذلك لأن ما تدعو الحاجة إليه من هذا فهو مثل الطعام في الحاجة إليه فأبيح ولا حاجة إلى الزينة فلم تبح كلبس الثوب وليس له غسل ثيابه بالصابون لأنه للزينة والتحسين قال القاضي‏:‏ وليس له إطعام الجوارح كالفهد والكلب والصقر لأنه لا حاجة إليه وما يحتاج إليه من المشروبات للدواء أبيح له تناوله لأنه طعام احتاج إليه فأشبه الفاكهة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الأكل من الغنيمة بعد إحرازها‏]‏

وإن أحرزت الغنيمة فقال الخرقي‏:‏ لا يؤكل منها إلا أن تدعو الضرورة بأن لا يجدوا ما يأكلون ونص عليه أحمد لأن المسلمين ملكوها بحيازتها فلم يجز الأكل منها كما لو حيزت إلى بلد الإسلام وقال القاضي‏:‏ لهم الأكل منها ما لم تحرز بدار الإسلام أو تقسم لأن الحاجة تدعو إلى الأكل منها فأشبه ما قبل الحيازة ويحتمل أن الخرقي أراد بالإحراز إدخالها دار الإسلام فيكون معنى القولين واحدا وإذا وجد في دار الحرب حيوانا مأكولا فقال الخرقي‏:‏ لا تعتقر شاة ولا دابة إلا لأكل لا بد منه لأنها تقتنى لغير الأكل فأشبهت الفرس وقال القاضي‏:‏ يجوز ذبح ما جرت العادة بذبحه للأكل كالشاة وما دونها لأنها مما تؤكل عادة فأشبه الطعام فأما الطيور كالدجاج ونحوها فيباح ذبحها وأكلها نص عليه أحمد لأن هذا مما لا يمكن حمله إلى دار الإسلام فأشبه الطعام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من فضل معه شيء كثير من طعام المغنم أو علفه فأدخله البلد‏]‏

ومن فضل معه من الطعام والعلف كثير فأدخله البلد فعليه رده إلى المغنم لأنه إنما أبيح للحاجة وقد زالت الحاجة وإن كان يسيرا ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجب رده لأنه أبيح للحاجة وقد زالت‏.‏

والثانية‏:‏ له أخذه لأنه أخذ ما له أخذه فلم يجب رده كالسلب ولأن اليسير تجري المسامحة فيه قال الأوزاعي‏:‏ أدركت الناس يقدمون من أرض العدو بفضل الطعام والعلف فيعلفون دوابهم ويهديه بعضهم إلى بعض لا ينكره إمام ولا عامل ولا جماعة وكانوا يقدمون بالقديد فيهديه بعضهم إلى بعض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم أخذ إبرة أو خيط ونحو ذلك من الغنيمة قبل قسمتها‏]‏

ولا يجوز أخذ إبرة ولا خيط ولا شعر ولا صوف لما روي أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبة من شعر الغنم فقال‏:‏ يا رسول الله إنا نعمل الشعر فهبها لي قال‏:‏ ‏[‏نصيبي منها لك‏]‏ رواه سعيد ولا يجوز أخذ جلد سواء كان جلد ما نذبحه أو غيره لأنه لم يجز أخذ الشعر فالجلد أولى ولأنه ليس بمأكول أشبه الثياب ولا يجوز ركوب دابة من المغنم ولا لبس ثوب لما روى رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلق رده فيه‏]‏ وذكر أبو الخطاب رواية أخرى‏:‏ أن له ركوب الفرس عند الحاجة حتى تنقضي الحرب ثم يردها لأنها من آلات الحرب فأشبهت السلاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم أخذ شيء من مباحات دار الحرب‏]‏

ومن أخذ من مباحات دار الحرب شيئا كالصيد والحجر والحشيش والشجر ونحوها فاحتاج إليه للأكل والعلف انتفع به وإن لم يحتج إليه لذلك وله قيمة في موضعه فهو غنيمة لأنه وصل إليه بقوة الجيش وإن لم يكن له قيمة في موضعه وإنما يصير له قيمة بنقله فهو لآخذه لأنه إنما صارت له قيمة بفعله وكذلك الركاز‏.‏

وإن وجد لقطة يعلم أنها للكفار فهي غنيمة وإن احتمل أن تكون لمسلم عرفها حولا ثم ردها في الغنيمة إن لم تعرف لذلك وإن ترك صاحب المغنم شيئا عحز عن حمله فقال‏:‏ من أخذ منه شيئا فهو له فهو لمن أخذه نص عليه لأنه بمنزلة ما لا قيمة له في دارهم وإن لم يقل ذلك فأكثر الروايات عن أحمد أنه لآخذه كذلك وعنه‏:‏ يكون غنيمة لأنه ذو قيمة فهو كالصيد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من وجد كتبا فيها كفر‏]‏

ومن وجد كتبا فيها كفر فعليه إتلافها لأن قراءتها والنظر فيها معصية وكذلك كتب التوراة والإنجيل لأنها مبدلة منسوخة منهي عن قراءتها وإن أمكن الانتفاع بجلودها أو رقها إذا غسل فعل ذلك وإن وجد خمرا وجبت إراقته لأن شربه معصية وإن وجد خنزيرا قتله وإن وجد كلبا لا يباح اقتناؤه تركه وإن أبيح اقتناؤه فله أخذه لنفسه ودفعه إلى من ينتفع به من الغانمين أو أهل الخمس لأن الكلب لا قيمة له وإن وجد فهدا معلما أو بازيا فهو غنيمة لأن له قيمة‏.‏

باب‏:‏ الأنفال والأسلاب

النفل‏:‏ ما يعطاه زيادة على سهمه وهو نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما يستحق بالشرط وهو ضربان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الأمير إذا دخل دار الحرب غازيا بعث سرية بين يديه تغير على العدو ويجعل لهم الربع بعد الخمس فإذا قفل بعث سرية تغير ويجعل لهم الثلث بعد الخمس فما قدمت به السرية خمسه ثم أعطى السرية ما جعل لها ثم قسم الباقي في الجيش والسرية معه لما روى حبيب بن مسلمة الفهري قال‏:‏ شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة وفي لفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل رواهما أبو داود وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي القفول الثلث قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وروى الأثرم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لجرير بن عبد الله لما قدم عليه في قومه يريد الشام‏:‏ هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وسبي‏؟‏ ولا تجوز الزيادة على الثلث لأن نفل النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إليه ويجوز النقص منه لأنه إذا جاز أن لا ينفل شيئا فلأن يجوز تنفيل القليل أولى ولا يستحق هذا النفل إلا بالشرط نص عليه لأن استحقاقه بغير شرط إنما يثبت بالشرع ولم يرد الشرع باستحقاقه على الإطلاق‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ أن يجعل الأمير جعلا لمن يعمل عملا فيه غناء عن المسلمين مثل أن يقول‏:‏ من طلع هذا الحصن فله كذا أو من نقبه أو من جاء بأسير فله كذا ومن جاء بعشرة رءوس فله رأس وأشباه هذا مما يراه الإمام مصلحة للمسلمين فيجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من قتل قتيلا فله سلبه‏]‏ ويجوز أن يجعل الجعل من مال المسلمين ومما يؤخذ من المشركين فإن جعله من مال المسلمين لم يجز إلا معلوما مقدرا كالجعل في المسابقة ورد الضالة وإن كان من الكفار جاز مجهولا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلث والربع وسلب المقتول وهو مجهول ولأنه ضرر فيه على المسلمين فجاز مع الجهالة كسلب القتيل‏.‏

النوع الثاني‏:‏ أن يخص الإمام بعض الغانمين بشيء لغنائه وبأسه أو لمكروه تحمله ككونه طليعة أو عينا فيجوز من غير شرط لما روى سلمة بن الأكوع قال‏:‏ أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعتهم وذكر الحديث إلى قوله‏:‏ فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفارس والراجل وعنه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر فبيتنا عدونا فقتلت منهم تسعة أهل أبيات فأخذت منهم امرأة فنفلنيها أبو بكر رضي الله عنه فلما قدمت المدينة استوهبها مني رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبتها له رواهما أبو داود ولأن في هذا تحريضا على القتال ونفعا للمسلمين والدفع عنهم فجاز كإعطاء السهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ من دلني على القلعة الفلانية أومن دلني على طريق سهل ونحو ذلك فله كذا‏]‏

إذا قال‏:‏ من دلني على القلعة الفلانية أومن دلني على طريق سهل ونحو ذلك فله كذا جاز فإن كان الجعل جارية من القلعة جاز أن تكون معينة وغير معينة كجارية مطلقة فإن لم تفتح القلعة فلا شيء له لأن تقدير الكلام‏:‏ من دلني على القلعة ففتحها الله علينا فله جارية منها لتعذر تسليمه جارية منها قبل فتحها فإن فتحت فلم يكن فيها جارية أو لم يكن فيها المعينة فلا شيء له لأنه شرط معدوما وإن كان فيها فماتت قبل الفتح فلا شيء له لأنها غير مقدور عليها أشبهت المعدومة وإن كانت باقية سلمت إليه لأنه استحقها بالشرط فإن كانت قد أسلمت قبل الفتح عصمت نفسها بإسلامها وله قيمتها لأنه تعذر تسليمها مع وجودها والقدرة عليها وإن أسلمت بعد الفتح سلمت إليه إن كان مسلما وإن كان مشركا انتقل إلى قيمتها لتعذر تسليمها إليه مع القدرة عليها فإن أسلم بعد ذلك احتمل أن لا يستحقها لأن حقه انتقل إلى قيمتها واحتمل أن يستحقها لأن تعذر تسليمها إليه لمانع زال فأشبه من غصب عبدا فأبق ثم قدر عليه وإن فتحت القلعة صلحا فاستثنى الأمير الجارية وسلمها جاز وإن وقع مطلقا فرضي مستحقها بقيمتها أعطيها وإن أبى وامتنع صاحب القلعة من بذلها بقيمتها فسخ الصلح لتعذر إمضائه لسبق حق الدال وتعذر إيصاله إليه مع تمام المصلحة ويحتمل أن يعطى مستحقها قيمتها لأنه تعذر دفعها إليه فأشبه ما لو أسلمت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم أخذ السلب في الحرب‏]‏

ومن قتل في وقت الحرب كافرا فله سلبه لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه‏]‏ متفق عليه وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين‏:‏ ‏[‏من قتل كافرا فله سلبه‏]‏ فقتل أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم‏.‏

ولا يقبل دعوى القتل إلا ببينة للخبر ولا يقبل فيه إلا شهادة رجلين نص عليه لأنه دعوى القتل فأشبه قتل المسلم وقياس المذهب أن يقبل فيها ما يقبل في الأموال لأن مقصوده المال فأشبه الشهادة على الغصب والجناية الموجبة للمال ويحتمل أن يقبل فيه قول واحد لأن أبا قتادة لما شهد له الرجل الذي أخذ سلبه دفعه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وحده ولا يخمس سلب لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏فله سلبه‏]‏ يتناول جميعه وقد روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط استحقاق السلب‏]‏

ولا يستحقه إلا بشروط أربعة‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكون القاتل ذا حق في المغنم حرا كان أو عبدا رجلا أو صبيا أو امرأة لعموم الخبر وإن لم يكن ذا حق كالمخذل والمرجف والكافر إذا حضر بغير إذن لم يستحقه لأنه لا حق له في السهم الثابت فغيره أولى‏.‏

والثاني أن يغرر بنفسه في قتله كالمبارز فإن قتله بسهم رماه من صف المسلمين ونحوه لم يستحقه لأنه إنما ورد الخبر في المبارز ونحوه‏.‏

الثالث‏:‏ أن يقتله وهو مقبل على الحرب فإن قتل أسيرا أو مثخنا أو منهزما إلى غير فئة لم يستحقه لأن ابن مسعود ذفف على أبي جهل يوم بدر فلم يعط سلبه ولأن استحقاق السلب للمخاطرة والتغرير بالنفس ولا خطر هاهنا وإن قتل موليا ليكر أو متحيزا إلى فئة فله سلبه لأن سلمة بن الأكوع أدرك طليعة للكفار موليا فقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من قتله‏؟‏‏]‏ قالوا‏:‏ ابن الأكوع قال‏:‏ ‏[‏فله سلبه أجمع‏]‏ ولأن القتال كر وفر‏.‏

الرابع‏:‏ أن يقتله لأن الخبر خص القاتل بالسلب فاختص به دون غيره فإن أسره لم يستحق سلبه كذلك وقال القاضي‏:‏ له سلبه سواء قتله الإمام أو من عليه أو فاداه وله فداؤه لأن مال حصل بسبب تغريره في تحصيله أشبه سلب القتيل وظاهر كلام أحمد أنه يشترط أن ينفرد بقتله لأنه قال في رواية حرب‏:‏ له سلبه إذا انفرد بقتله ولأنه يستحق للتغرير بالنفس ولا يحصل مع الاشتراك وإن قطع أحدهما يده أو رجله وقتله الآخر فكذلك لأنهما شريكان فيه وإن قطع أحدهما أربعته وقتله الآخر فسلبه للقاطع لأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل وتمم عليه ابن مسعود فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ ولأن القاطع كفى شره فأشبه القاتل وإن قطع يديه أو رجليه فكذلك لأنه قد عطله ويحتمل أن لا يستحقه لأنه إن قطع رجليه قاتل بيديه وإن قطع يديه فهو يعدو ويكثر ويهيب فما كفى شره وإن عانق رجلا فقتله الآخر فالسلب للقتل للخبر ولأنه قاتل لمن لم يكف المسلمون شره أشبه المطلق وظاهر المذهب أنه يستحق وإن لم يشرطه الإمام له للخبر إلا أنه أعجب أحمد أن لا يأخذه إلا بإذن الإمام لأنه أمر مجتهد فيه فلا يأخذه إلا بإذنه كالسهم وعنه‏:‏ لا يستحقه إلا بجعل الإمام قبل قتله أو تنفيله بعده لأنه نفل فلا يستحقه إلا بإذنه كسائر الأنفال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏السلب‏]‏

والسلب‏:‏ ما على القتيل من ثيابه وحليه وسلاحه وإن كثر إنما روى أن عمرو بن معد يكرب حمل على أسوار فطعنه فدق صلبه فصرعه فنزل إليه فقطع يديه وأخذ سوارين كانا عليه ويلمقا من ديباج وسيفا ومنطقة فسلم ذلك له وبارز البراء مرزبان الزارة فقتله فبلغ سواراه ومنطقته ثلاثين ألفا‏.‏

وفي الدابة وآلتها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هي من السلب اختارها الخرقي لأنها يستعان بها في الحرب فهي كالسلاح‏.‏

والثانية‏:‏ ليست منه اختارها الخلال وأبو بكر لأن السلب ما كان على البدن والدابة ليست كذلك فإن كان يقاتل وهو ممسك بعنانها فعن أحمد أنها من السلب لأنه يركبها إذا احتاج إليها وعنه‏:‏ ليست منه لأنه ليس بمستعين بها في حال قتاله أشبهت التي في رحله فإن كان معه فرس مجنوبة إلى فرسه فليست من السلب كذلك وكذلك المال الذي كمرانه وغيره ورحله وسلاحه الذي ليس معه حال قتله ليس من السلب لأن سلبه ما عليه حال قتله أو ما يستعان به في القتال‏.‏

باب‏:‏ قسمة الغنائم

الغنيمة‏:‏ ما أخذ من مال الكفار بإيجاف فخمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها للغانمين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏ الآية فأضافها إليهم ثم جعل خمسها لله فدل على أن أربعة أخماسها لهم ثم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا‏}‏ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم كذلك والإمام مخير بين قسمتها في دار الحرب وبين تأخير القسمة إلى دار الإسلام أي ذلك رأي المصلحة فيه فعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين جميعا فقسم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء قريبا من بدر وغنائم بني المصطلق على مياههم وغنائم حنين بأوطاس واد من حنين وقسم فداء أسارى بدر بالمدينة وهو غنيمة ولأن المسلمين قد ملكوا الغنيمة بالاستيلاء التام في دار الحرب فجازت قسمتها كما لو جاوزها إلى دار الإسلام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏البدء بقسمة بالأسلب‏]‏

فإذا أراد القسمة بدأ بالأسلب فدفعها إلى أهلها وإن كان فيها مال المسلم دفع إليه لأنه استحقه بسبب سابق ثم يدفع منه أجرة الحافظ والناقل والقاسم والحاسب لأنه لمصلحة الغنيمة وفي الرضخ وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ وهو من أصل الغنيمة لأنه يستحقه للمعاونة في تحصيلها أشبه أجرة النقال‏.‏

والثاني‏:‏ من أربعة الأخماس لأنه استحق بحضور الوقعة أشبه السهمان فعلى الأول يعطى الرضخ لأهله ثم يقسم الباقي على خمسة أسهم سهم منها لأهل الخمس ثم يدفع الأنفال مما بقي ثم يقسم الباقي بين الغانمين للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه لما روى ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفارس ثلاثة أسهم وأعطى الراجل سهما رواه الأثرم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تقسيم ما بين الغانمين‏]‏

ويقسم ما بين الغانمين كقسمة المتاع بين الشركاء فيقوم ما عدا الأثمان ويدفعها إليهم بقيمتها فإن أمكن تخصيص كل إنسان بعين كجارية وفرس وثوب فعل وإن لم يمكن شرك بين الجماعة في العين الواحدة ويقسم الغنيمة بين من شهد الوقعة من أهل القتال من قاتل ومن لم يقاتل لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ الغنيمة لمن شهد الوقعة ولأن غير المقاتل ردء له ومعين فيشاركه كرد المحارب فأما غير أهل القتال كطفل والمجنون ومن ينبغي للإمام منعه كالمرجف والمخذل والمعين للعدو فلا شيء له وإن قاتل لأن ضره أكثر من نفعه ومن كان مريضا مرضا يمنعه القتال فلا سهم له كالمجنون وإن لم يمنعه القتال كحمى الخفيفة والصداع والسعال أسهم له لأنه من أهل القتال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا أسهم بفرس ينبغي للإمام منعه‏]‏

ولا يسهم بفرس ينبغي للإمام منعه كالقحم والحطم والضرع والأعجف لما ذكرنا في الرجل ولا لغير الخيل من البغال والحمير والإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لغير الخيل ولأنها لا تلحق بالخيل في التأثير في الحرب والكر والفر فلم تلحق بها في الهسم وهذا اختيار أبي الخطاب وروي عن أحمد فيمن غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب‏}‏ ولأنه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض أشبه الفرس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم في غير العربي من الخيل‏]‏

وفي غير العربي من الخيل أربع روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ أنه كالعربي في سهمه اختارها الخلال ولأن اسم الفرس شامل له ولأنه حيوان ذو سهم فاستوى العربي وغيره كالرجال‏.‏

والثانية‏:‏ له سهم واحد اختارها الخرقي لما روى أبو الأقمر قال‏:‏ غارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها وأدركت الكوادن ضحى الغد وعلى الخيل رجل من همدان يقال له‏:‏ المنذر بن أبي حميضة فقال‏:‏ لا أجعل التي أدركت من يومها مثل التي لم تدرك ففضل الخيل فقال عمر‏:‏ هبلت الوداعي أمه امضوها على ما قال أخرجه سعيد ولأنهما تختلف غناؤهما فاختلفت سهمانهما كالفارس والراجل‏.‏

الثالثة‏:‏ ما أدرك منها إدراك العراب فله سهمها لأنه عمل عملها وساواها في جنسها فساواها في سهمها كما لو اتفق نوعهما‏.‏

والرابعة‏:‏ لا سهم له لأنه لا يعمل عمل العراب أشبه البغال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من غزا على فرسين‏]‏

ومن غزا على فرسين قسم لهما أربعة أسهم ولصاحبهما سهم ولا يسهم لأكثر من فرسين لما روى الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس وعن أزهر بن عبد الله‏:‏ أن عمر كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح‏:‏ أن أسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبهما سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من غزا على فرس حبيس‏]‏

ومن غزا على فرس حبيس فله سهمه لأنه استحق نفعه فملك سهمه كالمستعار ومن غصب فرسا فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين فكانا لمالكها كما لو كان راكبها وإن كان الفرس عارية أو بأجرة فسهمها لراكبها لأنه ملك نفعه وهذا من نفعه وعنه‏:‏ أن سهم المستعار لمالكه لأنه من نمائه أشبه ولده وإن قاتل العبد على فرس سيده قسم للفرس لأنه قوتل عليه في الحرب فاستحق السهم كما لو قاتل عليه حر ويكون سهمه لمالكه ومن دخل أرض الحرب فارسا وحضر الوقعة غير فارس لموت فرسه أو بيعه أو إجارته أو إعارته أو غصبه أو ضيعته فله سهم راجل وإن دخل راجلا فملك فرسا أو استأجره فحضر به الوقعة فله سهم فارس لأن الفرس حيوان ذو سهم فاعتبر وجوده حال القتال فيسهم له مع وجوده ولا يسهم له مع العدم كالآدمي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏السهم للمرأة والصبي والمملوك‏]‏

ولا يسهم لامرأة ولا صبي ولا مملوك لأنهم من غير أهل القتال ويرضخ لهم دون السهم لما روى ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما سهم فلم يضرب لهن رواه مسلم وقال سعيد بن المسيب‏:‏ كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة في صدر هذه الأمة وقال تميم بن قرع‏:‏ كنت في الجيش الذي فتح الإسكندرية في المرة الآخرة فلم يسهم لي عمرو شيئا وقال‏:‏ غلام لم يحتلم فسألوا أبا بصرة الغفاري وعقبة بن عامر فقالا‏:‏ انظروا فإن كان قد أشعر فاقسموا له فنظر إلي بعض القوم فإذا أنا قد أنبت فقسم لي وقال الجوزجاني‏:‏ هذا من مشاهير حديث مصر وجيده وعن عمير مولى آبي اللحم قال‏:‏ شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله عليه وسلم فأمرني فقلدت سيفا فإذا أنا أجره فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

والمكاتب والمدبر كالقن لأنه عبد فأما المعتق بعضه فظاهر كلام أحمد أنه يرضخ له لأنه لم يكتمل له الحرية أشبه القن وقال أبو بكر‏:‏ يسهم له بقدر ما فيه من الحرية والرق لأنه يتجزأ فقسم على قدر ما فيه كالميراث قال ابن أي موسى‏:‏ هذا هو الصحيح ومن أعتق قبل انقضاء الحرب أو بلغ أسهم له لأنه صار من أهل الاستحقاق فأشبه المدد إذا لحق والرضخ غير مقدر لكنه يرجع فيه إلى اجتهاد أمير الجيش فيفضل ذا الغناء على من دونه في النفع لأن الشرع لم يرد بتقديره فرجع في تقديره إلى الاجتهاد كالتعزير ولا يبلغ بالرضخ لراجل سهم راجل لأنه تابع لمن له سهم فنقص عنه كالتعزير عن الحد والحكومة لا يبلغ بها أرش العضو ويكون الرضخ من أربعة أخماس الغنيمة لأنهم من المجاهدين فكان حقهم من أربعة الأخماس كذوي السهمان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا غزا الكافر معنا من غير إذن الأمير‏]‏

وإذا غزا الكافر معنا من غير إذن الأمير فلا سهم له لأنهم ممن يستحق المنع من الغزو فأشبه المخذل وإن غزا بإذنه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا سهم له لأنه من غير أهل الجهاد فلم يسهم له كالعبد فعلى هذا‏:‏ يرضخ له كالعبد‏.‏

والثانية‏:‏ يسهم له اختارها الخرقي لما روى سعيد بإسناده عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم وروي أن صفوان ابن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على شركه فأسهم له ولأن الكفر نقص دين فلم يمنع استحقاق السهم للفسق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من استؤجر على الجهاد من غير أهل القتال كالكافر والعبد‏]‏

ومن استؤجر على الجهاد من غير أهل القتال كالكافر والعبد لم يستحق غير الأجرة وهكذا الأجير للخدمة والذي يكري دابته فأما المسلم الحر إذا استؤجر للجهاد فقال القاضي‏:‏ لا يصح استئجاره لأن الغزو يتعين بحضوره على من هو أهله فلا يصح أن يفعله عن غيره كالحج فعلى هذا‏:‏ يرد الأجرة وله سهمه لأن غزوه بغير أجرة وظاهر كلام أحمد والخرقي صحة الإجارة لمن لم يتعين عليه الجهاد لأنه مما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربى فجاز استئجار الحر المسلم عليه كبناء المساجد ولأن ما صحت إجارة العبد والكافر عليه صح إجارة الحر المسلم عليه كالبناء فعلى هذا إذا حضر القتال فظاهر نص أحمد والخرقي أنه لا يسهم له لما روى يعلى بن منية أنه استأجر أجيرا يكفيه من الغزو قال‏:‏ فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أمره فقال‏:‏ ‏[‏ما أجد له فس غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى‏]‏ رواه أبو داود ولأن غزوه بعوض فكأنه واقع من غيره فلم يثبت له حكمه وفائدته كما له حج عن غيره واستحقاق الغنيمة من أحكامه وفوائده وروي عن أحمد أنه يسهم له قال الخلال‏:‏ وهو الذي أعتمد عليه من قول أبي عبد الله لما روى عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال‏:‏ ‏[‏للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي‏]‏ رواه أبو داود وعن جبير بن نفير قال‏:‏ قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏مثل الذين يغزون عن أمتي ويأخذون الجعل ويتقوون به على عدوهم مثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها‏]‏ رواه سعيد ولأنه حاضر للوقعة من أهل القتال فأشبه أهل الديوان‏.‏

فأما التاجر والصانع وأشباههما فيسهم لهم إذا حضروا القتال نص عليه أحمد لقول عمر رضي الله عنه‏:‏ الغنيمة لمن حضر الوقعة قال القاضي‏:‏ هذا إذا كان قصدهم الجهاد ويقاتلون إذا احتيج إليهم وأمكنهم وكذلك من يكري دابته ومن لم يكن كذلك لم يسهم له لأنه لا نفع في حضوره أشبه المخذل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا لحق الجيش مدد أو أسير ونحوهما‏]‏

وإذا لحق الجيش مدد أو أسير أفلت أو فودي به قبل انقضاء الحرب أسهم لهم وإن كان بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة لم يسهم لهم لقول عمر رضي الله عنه‏:‏ الغنيمة لمن شهد الوقعة ولما روى أبو هريرة أن أبان ابن سعيد وأصحابه قدم على رسول الله صلىالله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها فقال‏:‏ اقسم لنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏اجلس يا أبان‏]‏ ولم يقسم له رواه أبو داود ولأنهم إذا قدموا قبل انقضاء الحرب فقد شاركوا الغانمين في السبب فشاركوهم في الاستحقاق كما ولو قدموا قبل الحرب وإذا قدموا بعد ذلك فلا شيء لهم لأنهم لم يشاركهم في السبب ولأنهم حضروا بعد أن صارت الغنيمة الغانمين فأشبه ما لو حضروا بعد القسمة وإن حضروا بعد تقضي الحرب وقبل احراز الغنيمة فظاهر كلام الخرقي أنهم يشاركونهم لأن الغنيمة تملك بحيازتها والاستيلاء عليها ولا يتم إلا بحيازتها وظاهر قول القاضي‏:‏ أنهم لا يشاركونهم لأنه ذكر أن الغنيمة تملك بتقضي الحرب قبل الحيازة لأنها صارت مقدورا عليها بإزالة يد الكفار عنها فأشبه ما بعد الحيازة وإن حازها الغانمون ثم جاءهم الكفار يقاتلونهم عليها فأدركهم المدد فقاتلو معهم حتى سلموا الغنيمة فنص أحمد‏:‏ أنه لا شيء للمدد لأن الأولين ملكوها والمدد يقاتلون عن الغانمين بعد ملكهم للغنيمة فأشبهت سائر أموالهم وإن استنقذها الكفار من أيديهم ثم جاءهم المدد فقاتلوا معهم حتى استنقذوها فقال أحمد‏:‏ أعجب إلي أن يصطلحوا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا غزا الأمير بجيش فأسرى سرية أو سرايا إلى جهة مقصده أو غيره فغنمت‏]‏

وإذا غزا الأمير بجيش فأسرى سرية أو سرايا إلى جهة مقصده أو غيره فغنمت شاركهم الجيش وإن غنم الجيش شارك سراياه لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هزم هوازن بحنين أسرى قبل أوطاس سرية فغنمت فقسم غنائمهم بين الجميع وفي تنفيل النبي صلى الله عليه وسلم السرية الثلث والربع دليل على مقاسمه الجيش لها الباقي ولأن الجميع جيش واحد فلم يختص بغضهم بغنيمة كأحد جانبي الجيش وإن بعث السرايا وأقام الجيش في بلد الإسلام فلكل سرية غنيمتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث السرايا من المدينة فلم يشاركهم أهل المدينة في غنائهم وإن خلف الأمير قوما في بلد العدو لضعف أو غيره وغزا فغنم فأقاموا في بلد العدو حتى رجع شاركوهم نص عليه سواء رجع عليهم أو من غير طريقهم لأنهم كالسرية وإن رجعوا إلى حصون المسلمين أو بلادهم فلا سهم لهم لأنهم برجوعهم صاروا كالمقيمين بدار الإسلام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من بعثه الأمير لمصلحة الجيش كالبريد والطليعة والجاسوس‏]‏

ومن بعثه الأمير لمصلحة الجيش كالبريد والطليعة والجاسوس فلم يحضر الغنيمة أسهم له لأنه في مصلحة الجيش أشبه السرية ولأنه إذا أسهم للمتخلف عن الجيش فلهؤلاء أولى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان رضي الله عنه من بدر ولم يحضرها لاشتغاله بتمريض رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من مات بعد إحراز الغنيمة‏]‏

ومن مات بعد إحراز الغنيمة قام وارثه مقامه في سهمه لأنه ثبت ملكه فيه فقام وارثه مقامه كما بعد القسمة وإن أسر فله سهمه كذلك وإن أسر أو مات قبل تقضي الحرب فلا شيء له لأنه لم يملك شيء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال الإمام‏:‏ من أخذ شيئا فهو له‏]‏

وإذا قال الإمام‏:‏ من أخذ شيئا فهو له ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر‏:‏ ‏[‏ومن أخذ شيئا فهو له‏]‏ ولأنهم غزوا على هذا ورضوا به‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم والخلفاء بعده ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال فيفضي إلى ظفر العدو بهم وقصة بدر منسوخة بقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏}‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تفضيل بعض الغانمين على بعض‏]‏

فأما تفضيل بعض الغانمين على بعض فإن كان على سبيل التنفيل لبعضهم فقد ذكرناه وإن كان على غير ذلك لم يجز لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهم ولأنهم أشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية فيجب التسوية بينهم كسائر الشركاء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها‏]‏

ومن غل من الغنيمة وهو أن يكتم ما غنمه أو شيء منه وجب احراق رحله إلا السلاح والمصحف وما فيه روح لما روى صالح بن محمد بن زائدة قال‏:‏ دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال‏:‏ سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال‏:‏ ‏[‏إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه‏]‏ قال‏:‏ فوجدنا في متاعه مصحفا فسألنا سالما عنه فقال‏:‏ بعه وتصدق بثمنه‏.‏

ولا يحرق المصحف والحيوان لحرمته ولا ثيابه لأنه يبقى عريانا ولا ما غله لأنه للمسلمين وإن مات قبل إحراق متاعه لم يحرق لأنه عقوبة فسقط بموته كالحد ولأن ماله ينتقل إلى وارثه فيصير احراقه عقوبة لغير الجاني ولا يحرم الغال سهمه لأن سبب استحقاقه متحقق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كان في السبي من يعتق على بعض الغانمين بالملك‏]‏

وإذا كان في السبي من يعتق على بعض الغانمين بالملك أو عتق عبدا من الغنيمة عتق عليه كله وعليه قيمته يرد في المقسم إن كان موسرا لأنه ملك جزءا منه بفعله فعتق عليه جميعه كما لو اشترى جزءا منه وإن كان معسرا لم يعتق عليه إلا ما ملك منه كذلك ومن وطئ جارية من المغنم ممن له فيها حق أو لولده فلا حد عليه للشبهة ويعزر وعليه مهرها لأنه وطء سقط فيه حد عن الواطئ للشبهة فوجب به المهر كالوطء في نكاح فاسد وإن أحبلها ثبت نسب الولد وينعقد حرا للشبهة وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ترد في المغنم وهل يلزمه قيمة الولد‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تلزمه لأنه فوت رقه‏.‏

والثانية لا يجب لأنه ينعقد حرا فلم يدخل في ملك الغانمين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏البيع من الغنيمة قبل القسمة‏]‏

ويجوز للأمير البيع من الغنيمة قبل القسمة للغانمين ولغيرهم إذا رأى المصلحة فيه لأن الولاية ثابتة له عليها وقد تدعو الحاجة إلى ذلك لإزالة كلفة نقلها أو لتعذر قسمتها بعينها ويجوز لكل واحد من الغانمين بيع ما يحصل له بعد القسم والتصرف فيه كيف شاء لأن ملكه ثابت فيه فإن باع الأمير أو بعض الغانمين في دار الحرب شيئا فغلب عليه العدو قبل إخراجه إلى دار الإسلام ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هو من ضمان المشتري أختارها الخلال وصاحبه لأنه مال مقبوض أبيح لمشتريه التصرف فيه فكان من ضمانه كما لو اشتراه في دار الإسلام‏.‏

والثانية‏:‏ ينفسخ البيع ويسقط الثمن عن المشتري أو يرد إليه إن كان أخذ منه اختارها الخرقي لأنه لم يكمل قبضه لكونه في دار الحرب في خطر قهر العدو فلم يضمنه المشتري كالثمر في الشجر هذا إذا أخذ بغير تفريط من المشتري فإن أخذ منه لخروجه من العسكر فهو من ضمانه لأنه ذهب بتفريطه أشبه ما لو أتلفه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم شراء أمير الجيش من مغنم المسلمين‏]‏

قال أحمد ‏[‏رضي الله عنه‏]‏‏:‏ ولا يجوز لأمير الجيش أن يشتري من مغنم المسلمين شيئا لأنه يحابي ولأن عمر ‏[‏رضي الله عنه‏]‏ رد ما اشتراه ابنه في غزوة جلولاء فأما إن وكل من يشتري له ممن لا يعرف أنه وكيله صح الشراء لعدم المحاباة ورخص أبو عبد الله فيما إذا قوم أصحاب المقاسم فقالوا‏:‏ جلود الماعز بكذا والخرفان بكذا فاحتاج أحد الغانمين إلى أخذ شيء منه بتلك القيمة أن يأخذه ولا يأتي المقاسم لأجل المشقة في استئذانهم في جميع ذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين‏]‏

وما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين أو أهل الذمة ثم ظهر عليه المسلمون فأدركه صاحبه قبل قسمه وجب رده إليه لما روى ابن عمر أنه ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه‏:‏ أن غلاما له أبق إلى أرض العدو فظهر عليه المسلمون فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم رواهما أبو داود‏.‏

فإن لم يرده إليه الإمام وقسمه مع العلم لم تصح قسمته لأنه قسم مال مسلم يجب رده إليه فأشبه المغصوب ولصاحبه أخذه بغير شيء فأما إن أدركه صاحبه بعد القسم ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا حق له فيه لما روي أن أبا عبيد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما أحرز المشركون من المسلمين ثم ظهر المسلمون عليهم بعد قال‏:‏ من وجد عين ماله بعينه فهو أحق به ما لم يقسم وقال سلمان بن ربيعة‏:‏ إذا قسم فلا حق له فيه رواهما سعيد وروى أصحابنا عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏ومن أدرك ماله قبل أن يقسم فهو له وإن أدركه بعد أن قسم فليس له فيه شيء‏]‏‏.‏

والثانية‏:‏ هو أحق به بالثمن الذي حسب به على آخذه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن أصبته قبل القسمة فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة‏]‏ ولأن امتناع أخذه خشية ضياع حق آخذه من الغنيمة أو تضييع الثمن على المشتري وهذا ينجبر بأداء الثمن فوجب أن يأخذه بالثمن كالشقص المشفوع وإن أخذ أحد الرعية مال المسلم من الكفار بغير عوض كالهبة والسرقة فصاحبه أحق به لما روي‏:‏ أن قوما أغاروا على سرح النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا ناقته وجارية من الأنصار فأقامت عندهم أياما ثم خرجت في بعض الليل قالت‏:‏ فما وضعت يدي على ناقة إلا رغت حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثم توجهت إلى المدينة ونذرت إن نجاني الله عليها أن أنحرها فلما قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها فقلت‏:‏ يارسول الله إني نذرت أن أنحرها فقال‏:‏ ‏[‏بئس ما جازيتها لا نذر في معصية‏]‏ وفي لفظ‏:‏ ‏[‏لا نذر فيما لا يملك ابن آدم‏]‏ ولأنه حصل في يده بغير عوض ولا قسمة أشبه ما لو أدركه في الغنيمة قبل القسمة وإن أخذه من الكفار بثمن فحكمه حكم المقسوم هل يكون صاحبه أحق به بالثمن أو لا يستحقه‏؟‏ يحتمل وجهين‏:‏ لما روى الشعبي قال‏:‏ أغار أهل ماه وأهل جلولاء على العرب فأصابوا سبايا العرب فكتب السائب ابن الأقرع إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم قد اشتراه التجار من أهل ماه فكتب عمر فيمن أصاب رقيقه ومتاعه في أيدي التجار بعدما اقتسم فلا سبيل إليه وأيما حر اشتراه التجار فإنه ترد إليهم رءوس أموالهم فإن الحر لا يباع ولا يشترى رواه سعيد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن استولى حربي على مال مسلم ثم أسلم أو دخل إلينا‏]‏

وإن استولى حربي على مال مسلم ثم أسلم أو دخل إلينا بأمان فهو له نص عليه أحمد وإن كان قد أتلفه أو باعه فلا شيء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من أسلم على شيء فهو له‏]‏ وإن كان أخذه من المستولي عليه بسرقة أو هبة أو شراء فكذلك في إحدى الروايتين لأنه قد حصل منه الاستيلاء والأخرى صاحبه أحق به بالقيمة لأنه كالمقسوم فإن استولى على جارية فاستولدها فهي أم ولد له فإن غنمها المسلمون فأدركها صاحبها أخذها وكان أولادها غنيمة لأنهم أولاد كافر حدثوا بعد ملك الكافر لها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن استولى الكفار على حر من المسلمين أو أهل الذمة‏]‏

وإن استولى الكفار على حر من المسلمين أو أهل الذمة لم يملكوه وإن اشتراه رجل منهم فعلى الأسير أداء ما اشتراه به لما ذكرنا من خبر عمر وإن استولوا على عبد فحكمه حكم الأموال قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مدبرا لأنه يضمن بالقيمة وهل يكون سيده أحق به بالثمن بعد القسمة‏؟‏ على الروايتين وإن استولوا على أم ولد فأدركها صاحبها بعد القسمة أو في يد مشتريها من الكفار فهو حق بها بالقيمة بكل حال لأنه قد حصل فيها سبب للحرية لازم فأثر ذلك في منع إقرار اليد عليها فإن لم يحب سيد المكاتب أخذه فهو في يده مشتريه أو من أعطيه من الغانمين فبقي على ما بقي عليه من كتابته يعتق بالأداء وولاؤه لمن يؤدي إليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن غنم المسلمون من الكفار شيئا عليه علامة المسلمين ولم يعرف صاحبه‏]‏

وإن غنم المسلمون من الكفار شيئا عليه علامة المسلمين ولم يعرف صاحبه فهو غنيمة تجوز قسمته لأنه قد وجد سبب الملك وهو الاستيلاء ولم يتحقق ما يمنعه فإن كان فيها شيء موسوم عليه حبيس رد إلى أهله لأته قد عرف مصرفه وإن كان فيها عبد فقال‏:‏ أن لفلان قبل منه ورد إلى صاحبه وإن أصابوا مركبا كان للمسلمين وفيه النواتية فقالوا‏:‏ هذا لفلان وهذا لفلان لم يقسم نص أحمد رضي الله عنه على هذا كله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا‏]‏

وإذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا ففي غنيمتهم ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ فيها الخمس وسائرها لهم لعموم قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏‏.‏

والثانية‏:‏ هي لهم من غير خمس لأنه اكتساب مباح من غير جهاد فأشبه الإحتطاب‏.‏

والثالثة‏:‏ هي فئ لا شيء لهم فيها لأنهم عصاة بفعلهم فلم يملكوه كالسرقة من المسلمين وإن كانت الطائفة ذات منعة فكذلك لما ذكرنا من التعليل وقيل‏:‏ لا يكون لهم بغير خمس رواية واحدة لأنها غنيمة فلا يستحقونها بغير خمس وكسائر الغنائم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من أجر نفسه على حفظ الغنيمة أو سوق دوابها أو رعيها أو حملها‏]‏

ومن أجر نفسه على حفظ الغنيمة أو سوق دوابها أو رعيها أو حملها فله أجرته لأنه فعل بالمسلمين إليه حاجة لم يتعين عليه فعله فأبيح له إجارة نفسه فيه كالدلالة على الطريق وليس له ركوب دابة من المغنم ولا حبيس لأنه يستعمل دابة المسلمين فيما يختص نفعه به فلم يجز كما لو أجر نفسه لأجنبي فإن فعل فعليه أجرة مثل الدابة يرد في المغنم إن كانت من الغنيمة أو تصرف في نفقة دابة الحبيس إن كانت حبيسا وإن شرط له في الإجارة ركوب دابة من المغنم جاز لأن ركوبها من الأجرة فجازت من المغنم كما لو أجر نفسه بدابة من المغنم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما أهداه أهل الحرب لأمير الجيش أو غيره‏]‏

وما أهداه أهل الحرب لأمير الجيش أو غيره من أهل الجيش في دار الحرب فهو غنيمة لأنه يغلب على الظن أنه بذله خوفا من المسلمين وإن كانت الهدية من دار الحرب إلى دار الإسلام فهي لمن أهدي إليه لأنه تبرع له بذلك من غير خوف فأشبه هدية المسلمين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تأخير الجهاد لعدم وجود الإمام‏]‏

وإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد وإن حصلت غنائم قسمها أهلها بينهم على موجب الشرع لأنها مال لهم مشترك فجاز لهم قسمته كسائر الأموال فإن كان فيها إماء أخروا قسمتهن حتى يظهر إمام لأن في قسمتهن إباحة الفروج فاحتيط في بابها‏.‏

باب‏:‏ قسمة الخمس

يقسم الخمس على خمسة أسهم سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل‏}‏ فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف في مصالح المسلمين لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول بيده وبرة من بعير ثم قال‏:‏ ‏[‏والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله الخمس والخمس مردود عليكم‏]‏ فجعله لجميع المسلمين ولا يمكن صرفه إلى جميعهم إلا بصرفه في مصالحهم من سد الثغور وكفاية أهلها وشراء الكراع والسلاح ثم الأهم فالأهم على ما سنذكره في الفيء وعنه‏:‏ أن سهم الرسول صلى الله عليه وسلم يختص بأهل الديوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحقه لحصول النصرة فيكون لمن يقوم مقامه في النصرة وعنه‏:‏ أنه يصرف في الكراع والسلاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏سهم ذو القربى‏]‏

وسهم ذو القربى لبني هاشم وبن المطلب ابني عبد مناف لما روى جبير بن مطعم قال‏:‏ لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من بني هاشم وبني المطلب جئت أن وعثمان فقلنا‏:‏ يا رسول الله إن إخواننا بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا‏؟‏ وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة فقال‏:‏ ‏[‏إنهم لم يفارقوني في جاهلية وإسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد‏]‏ ثم شبك بين أصابعه رواه أبو داود‏.‏

ويجب تعميمهم به حيث كانوا لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولذي القربى‏}‏ ولأنه حق يستحق بالقرابة فوجب تعميمهم به كالميراث ويعطى الغني والفقير والذكر والأنثى كذلك ولأم النبي صلى الله عليه وسلم أعطى منه العباس وهو غني وأعطى صفية عمته ويقسم للذكر مثل حظ الإنثيين لأنه يستحق بقرابة الأب بالشرع أشبه الميراث ويحتمل أن يسوى بينهما كالمستحق بالوصية للقرابة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏سهم اليتامى‏]‏

وأما سهم اليتامى فهو لصغير لا أب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يتم بعد احتلام‏]‏ ويعتبر أن يكون فقيرا لأن غناه بالمال أكثر من غناه بالأب وسهم المساكين للفقراء أو المساكين الذين يستحقون من الزكاة لأنهم متى أفرد لفظ المساكين أو الفقراء تناول الصنفين بدليل مصرف الكفارات والوصايا والنذور وسهم ابن السبيل للصنف المذكور في أصناف الزكاة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لا حق في الخمس لكافر‏]‏

ولا حق في الخمس لكافر لأنه عطية من الله فلم يكن لكافر فيه حق كالزكاة ولا للعبد لأن ما يعطاه لسيده فكانت العطية لسيده دونه‏.‏